ندا الفخرانى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الشعر والثقافه الدينيه
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ابن المبارك مجاهداً في سبيل الله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 397
تاريخ التسجيل : 01/04/2014

ابن المبارك مجاهداً في سبيل الله  Empty
مُساهمةموضوع: ابن المبارك مجاهداً في سبيل الله    ابن المبارك مجاهداً في سبيل الله  Emptyالخميس أكتوبر 08, 2015 8:12 pm

1. كان ابن المبارك مجاهداً في سبيل الله بنفسه وماله ومعرفته، إذ رابط في الثغور طويلاً، وكان يحج عاماً ويغزو عاماً، وما نزل بلداً في رحلته لطلب العلم ثم سمع منادي الجهاد إلا تجهز وخرج. وطالما دعا الناس إلى نصرة دين الله، حتى تصبح كلمة الله هي العليا في الأرض. وكان يعيب على النساك والزهاد قعودهم عن الجهاد، وسوء فهمهم لمعنى العبادة، فقدم بذلك نموذجاً يُحتذى في {التصوف العملي} وها هو يقول للمتصوفة القاعدين:

أيها الناسك الذي لبس الصوف

وأضحى يُعد في العباد

الزم الثغر والتعبد فيه

ليس بغداد مسكن الزهاد

إن بغداد للملوك مَحَل

مناخ للقارئ الصياد.

وذات مرة نظم ابن المبارك قصيدة وأودعها رسالة إلى الفضيل بن عياض بينما كان يرابط في ثغر من الثغور، قال له فيها:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا

لعلمت أنك في العبادة تلعبُ

من كان يخضب خده بدموعه

فنحورنا بدمائنا تتخضبُ

أو كان يتعب خيله في باطل

فخيولنا يوم الصبيحة تتعبُ

ريح العبير لكم ونحن عبيرنا

رهج السنابك والغبار الأطيب

لقد أتانا من مقال نبينا

قول صحيح صادق لا يكذب

لا يستوي وغبار خيل الله في

أنف امرئ ودخان نار تلهب

هذا كتاب الله ينطق بيننا

ليس الشهيد بميت لا يكذب

المحطة الأخيرة

في أحد أيام شهر رمضان سنة 181هـ تُوفي عبد الله بن المبارك، وهو راجع من الجهاد، وكان عمره 63 عامًا. ويقال: إن هارون الرشيد لما بلغه نبأ موته، قال: {مات اليوم سيد العلماء}

ويقال إن رجلاً دخل على الرشيد وروى له أنه كان قادماً من هيت بالعراق، فوجد الناس قد اجتمعوا على جنازة رجل، فسألهم عن المتوفى فقالوا له: عبد الله بن المبارك الخراساني. فقال الرشيد: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم نادى وزيره الفضل ابن الربيع: أئذن في الناس من يعزينا في عبد الله بن المبارك فأظهر الفضل تعجباً، فقال له: ويحك، إن عبد الله هو الذي يقول:

الله يدفع بالسلطان معضلة

عن ديننا رحمة منه ورضوانا

لولا الإئمة لم يأمن لنا سبل

وكان أضعفنا نهبا لأقوانا

من سمع هذا القول من مثل ابن المبارك مع فضله وزهده وعظمه في صدور العامة، ولا يعرف حقنا.

أما الفضل بن عياض فقال لما بلغه نبأ موت ابن المبارك: {رحمه الله، إنه ما خلف بعده مثله} وبعد موته روى زكريا بن عدي قائلاً: {رأيت ابن المبارك في المنام فقلت: ما فعل الله بك ؟ قال: غفر لي برحلتي في الحديث}[/align]
[align=center]*********************

http://www.rifaieonline.com/

www.geocities.com/alrifaia

*********************[/align]



[move=right]منكري الكرامات على الأولياء ينظرون للكرامة على أنها من فعل الولي

ولا ينظرون إليها على أنها فعل الله أجراه على الولي[/move]

[align=center]
***************************[/align]
رد مع اقتباس
2. 25-08-2009 10:12 PM#3
بنت الرفاعي

شاعرة المنتدى (شاعرة الحرمين سابقا)
تاريخ التسجيل
Aug 2002
المشاركات
1,184
[align=center]فرسان العشق الإلهي

رابعة العدويّة... العابدة الزاهدة شهيدة العشق الإلهي

د. عمار علي حسن


حين يأتي ذكر المتصوّفات يقفز اسم رابعة العدوية إلى المقدمة، كامرأة فريدة في الثقافة الشعبية العربية مكلَّلة بتقدير وعرفان ومحبة، لكنها في الوقت نفسه محاطة بغموض شديد، حول رؤيتها ومسلكها. فرابعة مالت إلى التصوف العملي، ولم تترك لنا أي أثر مكتوب نستطيع من خلاله أن نحكم عليها، ونجلي بعض غموضها. وكل ما قيل عن رابعة أحيل إلى مصادر قليلة، منها {البيان والتبيين} و{البخلاء} للجاحظ و{تذكرة الأولياء} لفريد الدين العطار. أما مؤرخو الفرق والعقائد فلم يذكروا عنها إلا أموراً متناثرة وقليلة، وركّزوا على تجربتها العملية.

وفي مثل هذا الوضع ينفتح الباب واسعاً للحكي والإضافة والترديد، وهو من السمات الأصيلة في الثقافة الشعبية، التي أخذت ما قيل عن رابعة العدوية، وراحت تضيف إليه كل ما يعظِّم صورتها، من دون أن تهتم بالحقيقة، التي لا يعرف عنها حتى المتخصصين الكثير، وهي مسألة ظاهرة من حيث المنشأ، إذ خلط بعض المؤرخين بين رابعة العدوية ورابعة الشامية، أو رابعة بنت إسماعيل التي توفيت في القدس عام 235هـ.

وتعبّر نفيسة عابد في كتابها {أصحاب الكرامات} عن صورة رابعة الشعبية قائلة: {هي أشهر النساء العارفات بالله تعالى. قصتها في حب الله تتناقلها الأجيال الإسلامية، جيل بعد جيل، لكونها نموذجاً رائعاً وقدوة صالحة لمن ترغب في معرفة طريق الله والإصرار على التمسك بدينه. وحياتها سراج يضيء الطريق إلى حب الله، ولذا لقًبها الناس بشهيدة العشق الإلهي}.

غموض وخلاف

امتد الغموض والخلاف إلى تاريخ ميلاد رابعة العدوية، إذ جزم البعض بأنه كان 135 هـ فيما أكد آخرون أنه كان بعد ذلك بخمسين عاماً كاملة، وكذلك إلى قضية زواجها، إذ قال فريق إنها تزوجت، وسموا زوجها بأنه أحمد بن أبي الحواري، لكن اتضح أن الأخير هو زوج رابعة الشامية، وأنه مات سنة 230 هـ ما يستبعد تماماً فكرة زواجه من العدوية. وقال فريق آخر بأنها عاشت متبتلة ولم تتزوج من أحد، وكانت تعتبر الزواج شهوانية لا يمكنها أن تقع فيها.

وقيل إن أمير البصرة محمد بن سليمان الهاشمي عرض عليها الزواج وأغراها بالمال، لكنها كتبت إليه تقول: {الزهد في الدنيا راحة البدن، والرغبة فيها تورث الهم والحزن. فهيئ زادك، وقدّم لمعادك، وكن وصي نفسك، ولا تجعل الرجال أوصياءك، فيقتسموا تركتك وصم الدهر، واجعل فطرك الموت. وأما أنا فلو خولني الله أمثالك وحزت ما أضعافه فلم يسرني أن اشتغل عن الله طرفة عين}.

وموقف رابعة هذا من الرجال، جعل مادحيها يتّكئون على أنها وجهت حبها إلى خالقها سبحانه وتعالى، وهنا يقول الدكتور فيصل بدر عون: {عاهدت رابعة نفسها منذ الصبا على ألا تقترن بأحد غير الله، حبيبها وأنيسها وسلوتها، برضاه ترضى، وبعشقه تهيم، وبشوقه تحيا. ومن هنا نجد طاقة الحب عند رابعة قد ولت وجهها تجاه الله. إن الحب بلا شك أقوى عواطف المرأة وأسلحتها. وقد كان على رابعة أن توجه هذه الطاقة نحو مرادها}.

ويقال إن الحسن البصري سأل رابعة ذات يوم: هل ترغبين في النكاح؟

فقالت: إن عقد النكاح يجري على وجود. والوجود معدوم هنا، فإن نفسي أعدمتني الوجود وإنني وجدت به، وكليتي متعلقة به، وفي ظل حكمه.

فقال لها الحسن: كيف تعرفين ذلك؟

فقالت: يا حسن أنت تعرفه بدليل، ونحن نعرفه بلا دليل.

وقد سلِّطت الأضواء على هذه النقطة في حياة رابعة، فظهرت في الأدب الشعبي امرأة طلقت شهوات الدنيا إلى غير رجعة، وودّعت حياة اللهو والخلاعة، وخلت إلى حبيبها العظيم تناجيه بأبيات شعر تجري على ألسنة عوام المسلمين، وينشدها الأئمة على المنابر:

أحبك حبين، حب الهوى

وحباً لأنك أهل لذاكا

فأما الذي هو حب الهوى

فشغلي بذكرك عمن سواكا

وأما الذي أنت أهل له

فكشفك للحجب حتى أراكا

فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي

ولكن لك الحمد في ذا وذاكا

وثمة بيتان من الشعر منسوبان لها أيضاً، وهما يدلان بصورة قوية على أن رابعة تخلت عن حاجات جسدها، وسخّرته لخدمة أشواق روحها المعلقة بالخالق العظيم. فها هي تنشد:

إني جعلتك في الفؤاد محدثي

وأبحت جسمي من أراد جلوسي

فالجسم مني للجليس مؤانس

وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي

ويحاول الفيلسوف الكبير عبد الرحمن بدوي أن يجد رابطاً بين زهد رابعة وبين علاقتها كامرأة بالرجل في ريعان شبابها، ليفترض أنها ربما تكون مرت بتجربة حب يائسة، أخفقت فيها أن تصل محبوبها، أو تتزوج منه، فطلقت الدنيا كلها، وخلتها وراء ظهرها، بمفاتنها وشهواتها، ويقول هنا: {ذكريات الماضي الداعي إلى التقوى والمواعظ مهما بلغ تأثيرها لا تكفي لتفسير ما حدث لديها. فلا مناص إذن من افتراض هذا عامل الإخفاق في قصة حب إنسانية}. لكن أقوال بدوي هذه لا تستند إلى أدلة دامغة، إنما هي مجرد استنتاجات لا يمكن أن يقطع بها أحد، أو يتخذ منها تفسيراً وحيداً لزهد رابعة وتصوّفها.

زهد وورع

وثمة حوار ورد في {تذكرة الأولياء} يدل على ورع رابعة وزهدها. فقد رُوي أن مالك بن دينار، والحسن البصري وشقيق البلخي ذهبوا يعودون رابعة، وكانت تعاني من مرض شديد. فقال لها الحسن:

ـ ليس بصادق في دعواه من لم يصبر على ضرب مولاه.

فقالت رابعة: هذا كلام يشم فيه رائحة الأنانية.

فقال شقيق: ليس بصادق في دعواه من لم يشكر على ضرب مولاه.

فقالت رابعة: يجب أن يكون أحسن من ذلك.

فقال مالك: ليس بصادق في دعواه من لم يتلذذ بضرب مولاه.

فقالت رابعة: يجب أن يقال أحسن من هذا.

فقالوا لها: تكلمي أنت يا رابعة.

فقالت: ليس بصادق في دعواه من لم ينسَ الضرب في مشاهدة مولاه.

ويقال أيضا إن سفيان الثوري ذهب يعودها بصحبة عبد الواحد بن عامر، فقال لها الأول: ألا تدعين الله بدعاء يخفف عنك الألم.

فقالت له رابعة: يا سفيان إنك لا تعلم من الذي أراد بي هذا المرض ..؟ أليس هو الله؟

فقال: بلى.

فقالت: ما دمت تعلم. فلماذا تدعوني لأن أطلب منه شيئاً يخالف إرادته؟ فمخالفة المحبوب غير مستساغة.

فقال سفيان: وماذا تشتهين؟

فقالت: يا سفيان إنك رجل من أهل العلم. فلماذا تتكلم بمثل هذا وتقول: ماذا تشتهين؟ فبعزة الله إن لي اثني عشر عاماً وأنا أشتهي الرطب وهو ميسور في البصرة... وأنا لم أتناوله حتى الآن لأنني أمة. وما شأن الأمة بالآمال واختيار الرغبات؟ ويكون هذا كفرا لو أردته أنا. ولم يرده الله، فينبغي طلب شيء يريده هو حتى نكون بحق عبيده، فإذا أعطاه هو فذلك شيء آخر.

قال سفيان: فسكت ولم أفه بشيء. ثم قلت لها: ما دمنا لا نستطيع التكلم في أمرك فتكلمي أنت في أمرنا، فقالت: إنك رجل صالح، أولاً إنك تحب الدنيا، إنك تحب رواية الحديث. وهذا نوع من طلب الجاه.

وهنا نطق الثاني وهو عبد الله بن عامر وقال: رب ارضَ عني.

فقالت رابعة له: ألا تستحي أن تطلب رضاء من لست راضياً عنه. إن العبد يكون قد قام بشروط العبودية حين لا يشعر بألم ولا بسقم، أي لا يكون في درجة من الفناء في الله حتى ينسى ألمه.

لم تولد رابعة متصوِّفة، ولم تكن من بيت معروف عنه الزهد والورع، إنما كان لتصوُّفها وتعبُّدها وزهدها قصة تُروى، نقلتها من حال إلى حال. ويقال إن رابعة كانت ذات يوم تسير وحيدة في طريق، لا أنيس لها ولا حارس. وكان ثمة رجل يسير خلفها، ويحدق فيها، ويضمر لها السوء. لمحته رابعة فأسرعت الخطى، بقدر ما وسعتها قدماها، وهدها التعب فوقعت على وجهها، وراحت تناجي ربها: {يا إلهي إنني غريبة يتيمة، أرسف في قيود الرق، لكن همي الكبير هو أن أعرف، أراضٍ أنت عني أم غير راض. وعندها سمعت هاتفاً يناديها من عنان السماء: لا تحزني ففي يوم الحساب يتطلع المقربون في السماء إليك ويحسدونك على ما ستكونين فيه. فلما سمعت هذا الصوت عادت إلى بيت سيدها وصارت تصوم وتقوم وتعبد ربها من دون أن تكف عن خدمة سيدها من البشر، متحملة أذاه واضطهاده وتعذيبه لها.

جذور وبذور

لكنْ للنزعة الدينية لدى رابعة جذور لا يمكن نكرانها، فهي ابنة رجل معروف بتديّنه واعتزازه بكرامته، وثقته في ربه، إذ رفض في أشد ساعات حاجته أن يسأل الناس شيئاً. وعلى رغم أن حياتها الأسرية لم تستمر طويلاً، إلا أنها تركت فيها بعض قيم لم تسقط، والتي تنتقل من السلف إلى الخلف، وتمتد من الأجداد إلى الأحفاد.

كذلك، السياق الاجتماعي الذي أحاط برابعة ساقها إلى الزهد، أو على الأقل يسّر طريقها إليه. فقد اتسع نطاق الزهد في القرن الثاني الهجري، بصيغة لم تكن موجودة في عصر الصحابة والتابعين. وظهرت جماعات من الزاهدين في الكوفة والبصرة، في مقدّمهم إبراهيم بن أدهم، ومالك بن دينار، وبشر الحافي.

كراماتها

تروي السير الكثير من {كرامات} السيدة رابعة العدوية، وهي غزيرة إلى درجة لافتة، ومشحونة بقصص مفعمة بالعظات والعبر. وتقول إحدى هذه القصص إن لصا دخل يوماً إلى حجرة رابعة وهي غارقة في نومها، فسرق ثيابها وراح يهم بالخروج فلم يجد الباب. فعاد ووضع الثياب على الأرض فبان له الباب في مكانه. فرجع والتقط الثياب فعاد الباب إلى الاختفاء. وكرر فعلته مرات عدة، حتى ناداه هاتف: {دع الثياب فإنا نحفظها ولا ندعها لك}.

وثمة قصة أخرى تُروى في كراماتها، أحد أطرافها سيّدها الغني. فهذا السيد قام ذات ليلة، وتسلل إلى باب غرفتها، وراح يتلصص عليها من ثقب في الباب، قاصداً بها سوءاً، فإذا به يجدها وقد نهضت واقفة، والدموع تطفر من عينيها، وراحت تناجي ربها: إلهي أنت تعلم أن قلبي يتمنى طاعتك، ونور عيني في خدمة عتبتك. ولو كان الأمر بيدي لما انقطعت لحظة عن خدمتك، ولكنك تركتني تحت رحمة هذا المخلوق القاسي من عبادك. ووصل صوت مناجاتها إلى أذنيّ سيدها، بينما راحت عيناه تتابعان قنديلاً يحلق فوق رأسها من دون أن يكون مثبتاً في شيء، وينبعث منه نور غامر ملأ البيت. ففزع الرجل ونهض من مكانه، وتراجع إلى الخلف، وعاد إلى غرفته، لكن النوم لم يزر عينيه. ظل سيد رابعة ساهراً ورأسه مشغول بما سمع ورأى، حتى أطل النهار من خصاص النافذة، فاستدعى رابعة وقال لها: لقد وهبتك الحرية، فإن شئت بقيت هنا في بيتي ونكون جميعاً في خدمتك، وإن شئت فارحلى حرّة إلى أي مكان تريدين.

تروي خادمتها عبدة بنت أبي شوال أن رابعة حين حضرتها الوفاة دعتها وقالت لها: يا عبدة لا تؤذني بموتي أحداً. وكفّنيني في جبّتي هذه. وهي جبّة من شعر كانت تقوم فيها إذا هدأت العيون. وقالت عبدة: فكفناها في تلك الجبة، وفي خمار صوف كانت تلبسه. ثم رأيتها بعد ذلك بسنة أو نحو في منامي عليها حلة استبرق خضراء. وخمار من سندس أخضر لم أر شيئاً قط أحسن منه. فقالت لها: يا رابعة ما فعلت بالجبة التي كفناك فيها والخمار والصوف؟ فردت رابعة: إنه والله نزع عني وأبدلت به ما ترينه علي. فطويت أكفاني وختم عليها، ورفعت في عليين، ليكمل لي بها ثوابها يوم القيامة. فقالت لها عبدة: مريني بأمر أتقرب به إلى الله، فردت رابعة: عليك بكثرة ذكره، يوشك أن تغتبطي بذلك في قبرك.

رؤيتها للحج

يُعرف عن رابعة أن لها موقفاً خاصاً من فريضة الحج، يختلف عما يريده العامة من أدائها. وفي بداية رحلاتها إلى الحج ناجت رابعة ربّها قائلة: {إلهي وعدت بجزاءين لأمرين، القيام بالحج، والصبر على الشدائد، فإن لم يكن حجي صحيحاً مقبولاً عندك، فياويلتاه، وما أشد هذه المصيبة عندي}. ولما صعدت رابعة درجات في معراج التصوّف ناجت ربّها وهي في طريقها إلى الكعبة المشرفة: {إلهي إن قلبي ليضطرب في هذه الوحشة، أنا لبنة والكعبة حجر وما أريد هو أن أشاهد وجهك الكريم'، فيقال إن صوتاً ناداها من السماء: يا رابعة أتطلبين وحدك ما يقتضي دم الدنيا بأسرها؟ إن موسى حين رام أن يشاهد وجه الله لم يلق إلا ذرة من نوره على جبل فخر صاعقا. ويقال أيضا إنها صرخت في إحدى مرات حجها: {لا أريد الكعبة فماذا أفعل بها؟'، ولم تعن بذلك إعراضاً عن الكعبة أو إنكاراً لها، لكنها كانت تطمع في المزيد، وهو الاتصال مباشرة برب الكعبة، وخالق كل من يطوفون حولها، خاشعين متضرعين إليه.

وعلى رغم أن الكثير مما ينسب إلى رابعة من أقوال وأفعال لا يزال في حاجة إلى تدقيق وتحقق، فإن هذه الشخصية المذهلة صورت جانباً لا يمكن لأحد نكرانه من تجربة المتصوفة المسلمين الروحية، يتعلق بإمكان أن تزهد المرأة وتهجر لذّات الدنيا، ويكون لها في عالم الصوفية {أسطورة} تتناقلها الأجيال، وتجذب صناع السينما العربية فيقدمون عنها فيلماً لا يزال قادراً على أخذ الناس إلى هذه التجربة الفريدة، كلما عرض في المناسبات الدينية.

وتبقى رابعة هي الأشهر من بين النساء القانتات العابدات، اللاتي يحفل بهن تاريخ التصوف الإسلامي مثل آمنة بنت موسى الكاظم، وآمنة الرملية، وأم أحمد القابلة المصرية، وأم الربيع الزبيدي، وأم سطل، وخديجة بنت الحافظ جمال الدين البكري، ورابعة بنت إسماعيل، وزهراء الوالهة، وست الملوك، وعائشة بنت عثمان النيسابوري، وفاطمة النيسابورية، وفاطمة العيناء، وفاطمة بنت المثنى، وفاطمة بنت عباس، وفخرية بنت عثمان، ومريم بنت عبد الله، وميمونة السوداء، وغيرهن.

ويكفي لرابعة تلك الشهادة التي قالها فيها أبو سفيان الثوري، وهو من المحدثين والفقهاء الورعين، إذ قابلها يوماً وهي زرية الحال، فقال لها: أرى حالاً رثة، فلو أتيت فلاناً جارك لغير بعض ما أرى.

فقالت له: {يا سفيان، وما ترى من سوء حالي؟ ألست على الإسلام وهو العز الذي لا ذل معه، والغنى الذي لا فقر معه، والأنس الذي لا وحشة معه. والله إني لأستحي أن أسأل الدنيا ممن يملكها، فكيف أسالها ممن لا يملكها}.

فقام سفيان وهو يقول: ما سمعت مثل هذا الكلام.


http://www.aljarida.com/aljarida/Article.aspx?id=126109[/align]
[align=center]*********************

http://www.rifaieonline.com/

www.geocities.com/alrifaia

*********************[/align]



[move=right]منكري الكرامات على الأولياء ينظرون للكرامة على أنها من فعل الولي

ولا ينظرون إليها على أنها فعل الله أجراه على الولي[/move]

[align=center]
***************************[/align]
رد مع اقتباس
3. 27-08-2009 01:17 AM#4
بنت الرفاعي

شاعرة المنتدى (شاعرة الحرمين سابقا)
تاريخ التسجيل
Aug 2002
المشاركات
1,184
[align=center]فرسان العشق الإلهي

ذو النون المصري... رائد التصوّف الذي اختلف عليه الناس

د. عمار علي حسن


اتخذ من التقرب إلى الله منتهى رغبته، ومعقد أمله ومقصده، وغاية مراده ومنيته، وأقصى مرامه وبغيته، وأعلى ما تثب إليه روحه، ويسعى جسده. لم يكن زاهداً وعابداً عابراً في تاريخ التصوّف ومسيرته، بل كان من أصحاب الأذواق والمواجيد وأرباب المعرفة والرأي والفقه.

تقلبت أحواله حتى اختلف عليه الناس. وتناثرت أخباره حتى تفرق بشأنه المؤرخون. واختلطت أقواله حتى ساح من تدبر سيرته في ظنون لا نهاية لها، عن مسلكه ومصيره، وعن معتقداته وأفكاره وتقديره. ولم يسلم ميلاده ومماته من هذا التناثر والتضارب والاختلاط، فقيل إنه مات عن ستين عاماً، كذلك قيل إنه مات عن تسعين عاماً.

المنشأ والمسيرة

هو أبو الفيض ذو النون ثوبان بن إبراهيم المصري، ولد في أواخر أيام المنصور، على الأرجح عام 185 هـ، وقد قيل إن ذا النون من موالي قريش، وكان أبوه نوبياً، ثم نزل إلى إخميم في صعيد مصر، وأقام فيها فسمع يوماً صوت لهو ودفاف، فسأل:

ما هذا؟

قيل: عرس

وسمع بجانبه بكاءً وصياحاً

فسأل: ما هذا؟

فقيل: فلان مات.


فقال: أعطى هؤلاء فما شكروا وابتلى هؤلاء فما صبروا وأقسم أن لا يبيت بالبلد فخرج فوراً إلى مصر فقطنها.

يصفه المناوي في كتابه {الكواكب الدرية} بأنه {العارف الناطق بالحقائق، الفائق للطرائق، ذو العبارات الوثيقة، والإشارات الدقيقة، والصفات الكاملة، والنفس العاملة، والهمم الجلية، والطريقة المرضية، والمحاسن الجزيلة المتبعة، والأفعال والأقوال التي لا تخشى منها تبعة، زهت به مصر وديارها، وأشـرق بنوره ليلها ونهارهـا}.

وقال الدارقطني عنه: {روى عن مالك أحاديث فيها نظر، وكان واعظاً} .ويصفه ابن يونس بأنه كان عالماً فصيحاً حكيماً. أما يوسف بن أحمد البغدادي فيقول: {كان أهل ناحيته يسمونه الزنديق:. وقال السلمي في {محن الصوفية': {ذو النون أول من تكلم ببلدته في ترتيب الأحوال، ومقامات الأولياء، فأنكر عليه عبد الله بن عبد الحكم، وهجره علماء مصر، وشاع أنه أحدث علماً لم يتكلم فيه السلف، وهجروه حتى رموه بالزندقة}.

وقال محمد بن الفرخي: {كنت مع ذي النون في زورق، فمر بنا زورق آخر، فقيل لذي النون: إن هؤلاء يمرون إلى السلطان، يشهدون عليك بالكفر. فقال: اللهم إن كانوا كاذبين، فغرقهم ، فانقلب الزورق، وغرقوا . فقلت له: فما بال الملاح ؟ قال: لم حملهم وهو يعلم قصدهم ؟ ولأن يقفوا بين يدي الله غرقى خير لهم من أن يقفوا شهود زور، ثم انتفض وتغير، وقال: وعزتك لا أدعو على أحد بعدها}.

ويقال إن أمير مصر دعاه وسأله عن اعتقاده ، فتكلم ، فرضي أمره . وطلبه الخليفة المتوكل، فلما سمع كلامه، وَلِعَ به وأحبَّه حباً جماً. وكان يقول: إذا ذكر الصالحون ، فحيَّ هلا بذي النون.

وتذكر المصادر التاريخية أن ذا النون زار بغداد مرة واحدة وقابل المتوكل ثم عاد إلى مصر حيث تُوفي يوم الاثنين الثاني من ذي القعدة سنة 246 هـ ، ومات المتوكل بعده بعام واحد.

ويروي عمرو بن السرح: {قلت لذي النون : كيف خلصت من المتوكل، وقد أمر بقتلك؟ قال: لما أوصلني الغلام، قلت في نفسي: يا من ليس في البحار قطرات، ولا في ديلج الرياح ديلجات، ولا في الأرض خبيئات، ولا في القلوب خطرات، إلا وهي عليك دليلات، ولك شاهدات، وبربوبيتك معترفات، وفي قدرتك متحيرات، فبالقدرة التي تُجيرُ بها من في الأرضين والسماوات إلا صليت على محمد وعلى آل محمد، وأخذت قلبه عني، فقام المتوكل يخطو حتى اعتنقني، ثم قال : أتعبناك يا أبا الفيض}.

ويقال إن المتوكل طلب منه أن يكتب له دعاء يدعو الله به دائماً، فكتب له: {رب أقمني في أهل ولايتك، مقام رجاء الزيادة في محبتك، واجعلني ولها بذكرك في ذكرك إلى ذكرك، وفي روح بحابح أسمائك لاسمك، وهب لي قدماً أعادل بها بفضلك أقدام من لم يزل عن طاعتك، وأحقق بها ارتياحاً في القرب منك، وأحف بها جولا في الشغل بك، ما حييت وما بقيت رب العالمين، إنك رؤوف رحيم. اللهم بك أعوذ وألوذ وأؤمل البلغة إلى طاعتك، والمثوى الصالح من مرضاتك، وأنت ولي قدير}.
أما يوسف بن الحسين فيقول: {حضرت مع ذي النون مجلس المتوكل، وكان مولعاً به، يفضله على الزهاد، فقال: صف لي أولياء الله. قال: يا أمير المؤمنين، هم قوم ألبسهم الله النور الساطع من محبته، وجللهم بالبهاء من إرادة كرامته، ووضع على مفارقهم تيجان مسرته، فذكر كلاماً طويلاً .

وقال عنه الذهبي بترجمته في كتاب سير أعلام النبلاء: {ذو النون المصري الزاهد شيخ الديار المصرية... هو من روى عن مالك والليث وابن لهيعة وفضيل بن عياض وسلم الخواص وسفيان بن عيينة وطائفة}.

وكانت لذي النون مهارة في علم الكيمياء وصناعتها، يقال إنه تعلمها من الكيميائي العربي الشهير جابر بن حيان، وبرع في فنون التنجيم وفك الطلاسم. وكان من المنشغلين بحل رموز ورق البردي في إخميم، التي كانت حافلة بالرسوم القبطية القديمة. وقد تمكن بالفعل من حل كثير من رموزها ونقوشها، فصارت معلومة للناس بعد جهل، وواضحة بعد غموض.

وعلى النقيض من هذا يقول الدكتور أحمد صبحي منصور: {ذو النون المصري شخصية مجهولة غامضة، والمكتوب عنها في المصادر التاريخية لا يتعدى صفحتين على الأكثر... وكانت أغلب سيرته أقوالاً وليست وقائع وأحداثاً}. وقد جاء ذكر سيرة ذي النون بصفحات قليلة في الكثير من المصادر التاريخية في مطلعها: طبقات الصوفية للسلمي، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني، والرسالة القشيرية، والأنساب للسمعاني، ووفيات الأعيان لابن خلكان، والوافي بالوفيات للصفدي، والنجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي الأتابكي، وحسن المحاضرة للسيوطي، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي، وموسوعة الأعلام للزركلي.

وثمة من يحيل ذا النون إلى الطائفة الإسماعيلية الشيعية، التي تأثر بها، وطالع مذهبها، فظهرت مقولاتها وأفكارها في بعض ما كان يقوله ويعتقد فيه. وهو إما أخذ عنهم مباشرة، حيث كانوا يسعون أيامها إلى نشر مذهبهم في دول شمال إفريقيا، وإما يكون اطلع على أفكارهم في ما قرأه عنهم لدى {إخوان الصفا وخلان الوفا} وكذلك في كتابات أبي حيان التوحيدي. وقد ظهر هذا التأثير في عبارة منسوبة إلى ذي النون قال فيها لأصحابه: {من أراد طريق الآخرة فليكثر مساءلة الحكماء ومشاورتهم، وليكن أول شيء يسأل عنه العقل، لأن جميع الأشياء لا تدرك إلا بالعقل. ومتى أردت الخدمة لله، فاعقل لم تخدم، ثم اخدم}.

وإعلاء العقل ذي {المعرفة البرهانية} على الحدس و'المعرفة اللدنية} ليس من مألوف المتصوفة، ما يعني أن هذه الفكرة وافدة على ذي النون، لم يحصل عليها من إلهامه وذوقه، ولم يأخذها عن صوفي آخر.

طريق الهداية

والسؤال: هل سار ذو النون في طريق الله منذ نعومة أظافره، أم أنه اهتدى في منتصف الطريق؟ وهنا، يروي يوسف بن الحسين جانباً من حياة ذي النون في شبابه فيقول: {استأنست بذي النون، فقلت له: أيها الشيخ ما كان بدء شأنك؟ قال: كنت شاباً صاحب لهو ولعب... وذات مرة خرجت من مصر لبعض القرى فنمت فى الطريق في بعض الصحارى ففتحت عيني فإذا بقنبرة عمياء سقطت من وكرها على الأرض فانشقت الأرض فخرج منها سكرجتان: إحداهما ذهب والأخرى فضة وفي إحداهما سمسم والأخرى ماء، فجعلت تأكل من هذه وتشرب من هذه، فقلت حسبي قد تبت، ولزمت الباب إلى أن قبلني}.

وثمة من يؤكد أن توبة الرجل جاءت خلال أدائه فريضة الحج. لكن ثمة من يؤكد أيضاً أن تلك التوبة كانت على يد شقران المغربي العابد، وهو شخصية قوية أثرت تأثيراً كبيراً في تلميذه.

وكان ذو النون يقول دوماً: {إن لله عباداً خرجوا إليه بإخلاصهم، وشمروا إليه بنظافة أسرارهم، فأقاموا على صفاء المعاملة، وبادروا إلى استماع كلامه بحضور أفهامهم، فعند ذلك نظر إليهم بعين الملاحظة فأجزل لهم المواهب، وحفت لهم منه العطايا، فشموا روائح القرب من قربه، وهبت عليهم رياح اللقاء من تحت عرشه، فتطايرت أرواح قلوبهم إلى ذلك الروح العظيم، ثم نادت لا براح} .

وقال:

ألا خل خدوم؟

ألا صديق يدوم؟

ألا حليف وداد؟

ألا صحيح اعتقاد؟

أين من استراح قلبه بحب الله؟


أين من ظهر على جوارحه نور خدمة الله؟

أين من عرف الطريق؟

أين من نظر بالتحقيق؟

أين من سقى فباح؟

أين من بكى وناح؟


أولئك تحف بهم الملائكة بالليل والنهار، وتسلم عليهم الحيتان من البحار}.

رؤيته الصوفيّة

كان ذو النون يؤمن بأن {القرآن كلام الله غير مخلوق} ويرى أن الله تعالى لا يمكن أن يتصوره أحد مهما أطلق لخياله العنان، إذ يقول: {مهما تصور في وهمك، فالله بخلاف ذلك}. وكان ذو النون يرى أن الاستغفار يجمع معاني عدة هي:

الندم على ما مضى

والعزم على الترك

وأداء ما ضيعت من فرض

ورد المظالم في الأموال والأعراض والمصالحة عليها

وإذابة كل لحم ودم نبت على الحرام

وإذاقة ألم الطاعة كما وجدت حلاوة المعصية

ومن يطالع أقوال ذي النون في المعرفة اللدنية والمحبة الإلهية والفناء يدرك تماماً أن الرجل ترك علامة قوية في تاريخ التصوف برمته، حين طلع على الناس بكلام جديد لا عهد لهم به في المقامات والأحوال والكشف والظاهر والباطن، فكانت له الريادة والسبق في هذا عن متصوفة مصر جميعاً.

ويُنسب إلى ذي النون أنه كان أول من عرف التوحيد بمعناه الصوفي، وأول من وضع تعريفات للوجد والسماع، وأول من استخدم الرمز في التعبير عن حاله. وهام ذو النون عشقاً في ربه، وعبر عن هذا شعراً في نظمه:

أطلبوا لأنفسكــم: مثلما وجدت أنـا

قد وجدت لي سكناً: ليس في هواه عنا

إن بعدت قربني: أو قربت منه دنا

ويناجي ذو النون ربه أن يلهمه نور المعرفة وأسرار المحبة، ويكشف عنه الحجب، ليقترب منه أكثر، فها هو يقول: {إلهي، لا تترك بيني وبين أقصى مرادي حجاباً إلا هتكته، ولا حاجزاً إلا رفعته، ولا وعراً إلا سهلته، ولا باباً إلا فتحته، حتى تقيم قلبي بين ضياء معرفتك، وتذيقني طعم محتبك، وتبرد بالرضى منك فؤادي، وجميع أحوالي، حتى لا أختار غير ما تختاره، وتجعل لي مقاماً بين مقامات أهل ولايتك، ومضطرباً فسيحاً في ميدان طاعتك}.

وقد سئل ذو النون ذات يوم: بم عرفت ربك؟ فقال: {عرفت ربي بربي، ولولا ربي ما عرفت ربي}. وكانت المعرفة لديه هي يقين يناله الإنسان بثلاثة أمور ترتبط جميعها بالذات الإلهية، أولها: النظر في الأمور كيف دبرها، وفي المقادير كيف قدرها، وفي الخلائق كيف خلقها.

ومفتاح العبادة لدى ذي النون هو الفكرة، وآية الوصول مخالفة النفس والهوى، ومخالفتها في ترك الأماني، وإن كل من داوم على التفكير يرى علم الروح في قلبه. ولذا كان ينصح دائماً كل من يسعى إليه بقوله: {لا تصحب مع الله تعالى إلا بالموافقة ولا مع الخلق إلا بالمناصحة، ولا مع النفس إلا بالمخالفة، ولا مع الشيطان إلا بالعداوة}.

وكان ذو النون ملامتياً، أي متعمق في إخلاصه، متحرياً للصدق في عبادته، لا يظهر خيراً ولا يضمر شراً، متكتماً على أحواله وأعماله. وهنا يقول ثلاثاً من علامات الإخلاص: استواء الذم والمدح من العامة، ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال، وترك اقتضاء ثواب العمل في الآخرة.

ولم يكن الإخلاص لدى ذي النون منفصلاً عن الخوف والمراقبة واليقين والتوكل والحياء والصدق والذكر، وكلها من مقامات المتصوفة وأحوالهم. فها هو يقول عن الأول: {الناس على الطريق، ما لم يزل عنهم الخوف، فإذا زال عنهم الخوف، ضلوا عن الطريق}. وسئل ذات مرة: متى يتيسر على العبد سبيل الخوف؟ فقال: {إذا أنزل نفسه منزلة السقيم يحتمي من كل شيء مخافة طول السقام}. أما المراقبة فإن علامتها ودليل تحققها لديه هما {إيثار ما آثر الله تعالى، وتعظيم ما عظم الله تعالى، وتصغير ما صغر}.

وفي ما يخص اليقين يرى ذو النون أن ثمة {ثلاثة من أعلام اليقين: قلة مخالطة الناس في العشرة، وترك المدح في العطية، والتنزه عن ذمهم عند المنع. وثلاثة من أعلام يقين اليقين: النظر إلى الله تعالى في كل شيء، والرجوع إليه في كل أمر، والاستعانة به في كل حال}. أما التوكل فيعرّفه بأنه {ترك تدبير النفس، والانخلاع من الحول والقوة، وإنما يقوى العبد على التوكل، إذا علم أن الله سبحانه وتعالى يعلم ويرى ما هو فيه}. ويرى ذو النون أن الحياء هو {وجود الهيبة في القلب مع وحشة ما سبق منك إلى ربك تعالى}. ويؤمن بأن الصدق هو {سيف الله، ما وضع على شيء إلا قطعه}. وأخيراً كان يرى أن {من ذكر الله ذكراً على الحقيقة نسي في جنب ذكره كل شيء، وحفظ الله تعالى عليه كل شيء وكان له عوضاً عن كل شيء}.

وقد ظل ذو النون وفياً لهذا الوجدان الصوفي الرائق حتى وافته المنية، بعد أن حفر علامة في تاريخ التصوف المصري خصوصاً، إذ يبدأ به حديث المؤرخين عن الصوفية على ضفاف النيل، ويركَّز عليه كحالة من {التصوف الفردي الجواني} قبل أن تتحول الصوفية المصرية إلى ظاهرة اجتماعية تسير في ركاب السلطة على يد صلاح الدين الأيوبي، حين أنشأ تكايا أو {خانقاوات} للمتصوفة توفر لهم الدولة فيها كل احتياجاتهم مقابل تفرغهم للعبادة، ورام الأيوبي من هذا استعمال أهل التصوف في محاربة المذهب الشيعي.

ويروي حيان بن أحمد السهمي أن ذا النون مات في الجيزة، وعبروا بجثمانه إلى مصر المحروسة في مركب خوفاً من زحمة الناس على الجسر، لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة ست وأربعين ومائتين وقال آخر: مات سنة ثمان وأربعين، وهذا اختلاف بسيط قياساً إلى الخلاف والجدل حول أفكار ذي النون ومواجيده وارتباطاته وتاريخه المتفرق على كتب قليلة. [/align]

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://1964.yoo7.com
 
ابن المبارك مجاهداً في سبيل الله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حسن البراعة حمد الله في الكلم
» حسن البراعة حمد الله في الكلم
» ألا يارسول الله اني مغرم
» قال الحسن البصري رضي الله عنه
» ابن عطاء الله السكندري.

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ندا الفخرانى :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول-
انتقل الى: