يا مشعلاً في الدجى للفرد والأممِ * يا داعيًا للهدى والحق والذممِ
يا مرسلاً بالسنا إذ عز منبعه * أشرقت شمسَ التقى والعدل والهممِ
يا أعظم الخلق في خَلقٍ وفي خُلُقٍ * مهدت درب العلا بالصدق والقلمِ
أنت الذي قد سمت دومًا فضائله * أذْهلت كل الورى عُرْبًا ومن عجمِ
يا من أتاه الهدى وحيًا برحمتنا * أوْضحْتَ ما قد حوى من رائع الحكمِ
حيزت علوم الدنا في نبع سنته * فانساب فيضُ الهدى من جامع الكلمِ
أنت الرسول الذي كانت رسالته * شفاءَ من يلتوي في ذروة الألمِ
أنت الذي قد بنى للحق دولته * كانت ضياءَ الدنا في حالك الظلمِ
توحيدُ رب العلا أسمى دعائمها * وبلوغُ سبق الدنا في موكب الأممِ
أنشأْتَ جيل التقى في ظل جنتها * صحْبا كرامًا جَنَوْا من دوحة القيمِ
ما لي سوى نهجِه في الحق أسلكه * لو حدْتُ عن دربه ستزل بي قدمي
يا من نصحت الورى في السر والعلن * يا من به المقْتَدى في أعظم الشيمِ
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته * في يوم حشر الورى من فائض اللمَمِ
ماذا أقول إذا أتباعك انقلبوا * بعد انبلاج العلا في عتمة العدمِ
أمسوا ضعاف الورى في كل مُعتَركٍ * كالجسم حين اكتوى وانهد بالسقمِ
أمسوا عبيدَ العدا طوعًا لما أمروا * أين الإباءُ الذي في كل محترمِ
ما قد حوت أرضهم من أنفس الدررِ * يلهو به المعتدي في أطيب النعمِ
سحقًا له من هوان في تفرقنا * ننساق من ضعفنا للذبح كالغنمِ
ما عاد في أرضنا للصفو متسعُ * من هول ما قد حوت من ظلمةٍ ودمِ
هذا جزاء الذي قد ضل في حمقٍ * عن طاعة المصطفى القدوةِ العلمِ
يا أمةً أصبحت في القاع من وَهَنٍ * يكفى هوانُ غدًا يزداد من قدَمِ
ما من نجاةٍ لنا إلا بطاعته * ثم الطريق لنرقى قمة القممِ
يا كل من يرتجي نصرًا لأمتنا * نرجوه من ربنا من بعد منهزَمِ
أقبل هنا نستقي من هدى مُنقِذِنا * يُنبوع خير لنا ينساب في كرَمِ
نبني به مجدنا ونُعيد رفعتنا * ونُزيل ما قد مضى من كل ما يصمِ
يا كل من يبتغي الرضوان مُنقَلبًا * الزم صراط الهدى والحق واستقمِ
يشفع لك المصطفى فتهيم في فرحٍ * في جنة ملؤها الأنهار من نعمِ
بردة الشيخ علي الدرويش الأنكوري
لمهجتي ذمة في طيبةٍ شغفت ** فهل تطيب بأوفی الخلق للذمم
إمام كل رسول عند بارئه ** مبرّأ لا تباريه ذوو العصم
سر الحدوث ومولی من له قدم ** صدقٌ ومادحه الموصوف بالقدم
فترك مدحي له مدح وهل قلمي ** ونوني في الوصف تحكي نون والقلم
فلم يبالغ بما أثنی الإله به ** عليه كيف نوفيه بمنتظم
وإن لولاه لم تخلق ملائكة ** ولا الحجاب الذي عند العروج رمي
يكفي السموات شريفاً بوطئته ** والأرض جبريل فيها جملة الخدم
تكوّن الكون نوراً عند مولده ** كأنه الآن موجود من العدم
وكان يوم استضاء الكون وهو دجی ** بدراً بدأ ونسيماً دبّ في النسم
كيف استنارت قصور الشام إذ خمدت ** نار المجوس وبالنار الفرات ظمي
فلينفخ النار ذو الإيوان إذ طفئت ** بماء ساوة إن ينفخ علی ضرم
فكسر ايوان كسری مقصرٌ أملاً ** من قيصر في بني التثليث والصنم
فلا سرير وما اهتزت قوائمه ** ولا أمير وما تلقاه ذا وجم
والكفر بات علی حال يساء به ** والعلم بالحق بشراه علی العلم
محمد روح عيسی وهو جثته ** تكلمت عن كليم فيه بالعظم
أحيا النفوس ومحيي الجسم بشرنا ** بأن ذا رؤية خير من الكلم
إن ينكروا وصفه شالت نعامتهم ** فإنها نعمٌ تخفی علی النعم
أنار ظلمة دنيانا بضرّتها ** وجاز فيها جواز البرء في السقم
وأهل بيت عن الدنيا قد ارتفعوا ** تحت العباءة فوق الناس كلّهم
باب المدينة حامي البيت صاحبه ** ليث الإله علي الجاه والشيم
والبضعة الدرة الزهراء فاطمة ** وصفوة الصفوة الغراء في العصم
والنّيرين الشهيدين ابنها حسن ** إذ قال للملك إن السم في الدسم
ريحانة ظمئت في كربلا فجرت ** علی الحسين عيون العين بالديم
يزيد نار الأسی دمعٌ عليه جری ** في يوم أن خضّب الريحان بالدم
يا سيد الرسل لي فكرٌ يضيء به ** لفظ المحب ضياء البدر في الظلم
يا أكرم الخلق لا مستثنياً ملكاً ** ومفرق الفرقتين العرب والعجم
هذي قصيدي فإن أقبل فمن كرم ** قد عم غيري وإن أردد فوا ندمي
يكفي الأباصيري ما نالت قصيدته ** من المقاصد في حكم وفي حكم
ببرأةٍ أبرأته ثم تسقمني ** برئت من ألمي إن قلت وا ألمي
يا عالم السر من مكنون مبسمها ** ومسبل السر من شعر علی القدم
جرّت فؤادي بألحاظ لها قسمٌ ** علی الحشی هدبها من أحرق القسم
يزينها بالبها الإخلاص عاشقها ** قد حاز معرفة من صاحب العلم
ليست مثال قصيد من أسير هویً ** إلی فضول بدعوی الفضل متهم
لكن عسی المذنب الدرويش يلحظ من ** أمن تذكر جيران بذي سلم
فالّببغا نائل من فضل سيده ** محاكياً وأنا حاكيتهم بفمي
فؤادي جَوى بالنّعلِ واللُّبُّ ذاهبُ ** وللنّاسِ فيما يَعشقونَ مَذاهبُ
أتاني هواها قبلَ أنْ أعرِفَ الهوى ** فأعطيتُهُ قلبي بكلّهِ فاستوى
إذا لاحَ سرٌّ أو تَهلّلَ مَنْظرُ ** تَذكّرتُها والـشّيءُ بالـشّيءِ يُذكَرُ
فما لي بها وَصلٌ ولا أنا شاهِدُ ** ولكنّ طَبْعَ النّفسِ للنّفسِ قائِدُ
وَقَفتُ لها عِرضي وأهلي ومالِيا ** فهذا لها عندي فما عندَها لِيا
لقد ثبتت في القلب منها لوائع ** كما ثبتت في الراحتين الاصابع
مَكثتُ زمانًا في التّستُّرِ والصّبرِ ***وقد ضاقَ بالكِتمانِمِنحبِّها صَدري
فكم مَسّني ضرٌّ وما نفذَ الصّبرُ **ومَن خطبَ الحسناءَ لم يَغْلُهُ المهرُ
كأيِّن أتتني مِن عَذُولي محامِدُ ** مَصائبُ قومٍ عندَ قومٍ فوائِدُ
فكلُّ امرئٍ مِنّا له ما يُناسِبُهْ ** وما ناصحاتُ المرءِ إلّا تجاربُهْ
يقولون لي قد عذّبتكَ يامُذنبُ ** ألا حبَذا ذاكَ الحبيبُ المعذِّبُ
إليكم عنّي لاتماروا فإنّني ** أقولُ على علمٍ وأعلمُ ما أعني
فما نحنُ في التّحقيقِ إلّا بضائِعُ ** ولا بُدّ يومٌ أن تُردَّ الودائِعُ
أأركنُ للأغيارِ والنُّورُ في القلبِ ** فمنشامَشرقَالشّمسِلايرضىبالغربِ
تمنّيتُ لو أني بِطيبةَ كالفرشِ ** وإنّي لأَرجوها ولو كنتُ بالنّعشِ
فلا غَرو حيثُ النّعلُ يَأرُجُ طِيبُها ** هوى كلُّ نفْسٍ أينَ حلَّ حبيبُها
رَواحٌ وأُنسٌ والسّعادةُ تَنفَحُ ** وكلُّ إناءٍ بالّذي فيهِ يَنضَحُ
أولوا العَرجِ والأملاكِ طُرُّهُمُ صَبُّ ** ففي نُورِها كلٌّ يجيءُ ويَذهَبُ
تفانوا بها غيبًا فجوّاهمُ الحبُّ ** فكيف بمن يهواها لو زالتِ الحُجْبُ
فهذا له وجدٌ وذاكَ مُشاهدٌ ** تعدّدتِ الأسبابُ والحُبُّ واحدُ
دعُو قلبيَ النّشوانَ بعدَ نحِيبِهِ ** فكلٌّ له عُرسٌ بذكرِ حبيبِهِ
إذا أَنِستْ رُوحي بنعلِ الحبائِبِ ** فتلك صلّاتي في اللّيالي الرّغائبِ
جعلْتُها لي خِلًّا لعلّني أهتدي ** وكلُّ قرينٍ بالمقارَنِ يَقْتدي
غزلتُ لها شوقي يُدَبِّجُهُ الوجدُ ** وفي عُنُقِ الحسناءِ يُستحْسَنُ العِقْدُ
لإن كانتِ التّيجانُ يُونِقُها الشِّعرُ ** فإنّها ممدوحٌ بها النّظمُ والنّثرُ
ولو أنَّني أطْريتُ فيها مَدى الدّهرِ ** لَكنتُ كمَن يَهدي المياهَ إلى البَحْرِ
حذاري حذاري يا أُولاءِ مِن الفصلِ ** فمنشكّفي المجلىكمن شكّفيالأصل
فما النّعلُ إلّا صورةٌ تتبسَمُ ** وكلُّ لبيبٍ بالإشارةِ يَفهمُ
سيكشَفُ معناها إذا احتدَمَ الحـشرُ ** وفي اللّيلةِ الظّلماءِ يُفتقدُ البَدرُ
بداري ياقومي هيّا للنعلِ نَشهدُ ** كما كنّا بالأرواحِ والعودُ أحمدُ
انتهت ولله الحمد