التائية الكبرى لابن الفـــارض
( القسم الثامن عشر )
ويصطادُ بعضُ الطَّيرِ بعضاً منَ
الفضا ويقنصُ بعضُ الوَحشِ بَعضاً بقفرَةِ
وتلمَحُ منها ما تخطَّيتُ ذكرهُ
ولمْ أعتمِدْ إلاَّ على خيرِ مُلحَةِ
وفي الزَّمنِ الفرْدِ اعتبرْ تلقَ
كلَّ مابدا لكَ لا في مُدَّةٍ مُستطيلةِ
وكلَّ الَّذي شاهدتهُ فِعلُ واحِدٍ
بمفرَدِهِ لكنْ بحُجْبِ الأكِنّةِ
إذا ما أزال السِّترَ لمْ ترَ غيرهُ
ولمْ يَبقَ بالأشكالِ إشكالُ ريبةِ
وحقَّقتَ عندَ الكشفِ أنَّ
بنورهِ اهْ تدَيْتَ إلى أفعالهِ بالدُّجُنَّةِ
كذا كنتُ ما بيني وبينيَ
مُسبِلاً حِجابَ التباسِ النّفسِ في نورِ ظلمةِ
لأظهرَ بالتّدريجِ للحِسِّ مؤنِساً
لها في ابتداعي دُفعَةً بعدَ دُفعَةِ
قرنتُ بجدِّي لهوَ ذاكَ مُقرّباً
لِفهْمِكَ غاياتِ المَرامي البَعيدةِ
ويجمَعُنا في المظهرينِ تشابهٌ
وليستْ لحالي حالهُ بشبيهةِ
فأشكالهُ كانتْ مظاهرَ فعلِهِ
بسترٍ تلاشتْ إذ تجلَّى ووَلَّتِ
وكانتْ لهُ بالفعلِ نفسي
شبيهةً وحِسِّي كالإشكالِ والِّلبسُ سُترَتي
فلمَّا رَفعْتُ السِّترَ عنِّي كرَفعِهِ
بحيثُ بدتْ لي النَّفسُ منْ غيرِ حُجَّةِ
وقدْ طلعَتْ شمسُ الشُّهودِ
فأشرقَ الوجودُ وحَلَّتْ بي عُقودُ أخيَّةِ
قتلتُ غلامَ النَّفسِ بينَ إقامتي
الجدارَ لأحكامي وخرقِ سفينتي
وعُدْتُ بإمدادي على كلِّ عالِمٍ
على حَسَبِ الأفعالِ في كلِّ مُدَّةِ
ولوْلا احتجابي بالصِّفاتِ
لأحْرِقتْ مَظاهرُ ذاتي مِنْ سَناءِ سجيّتي
وألسِنةُ الأكوانِ إنْ كنتُ واعِياً
شهودٌ بتوحيدي بحالٍ فصيحةِ
وجاءَ حديثٌ في اتِّحاديَ ثابتٌ
روايتهُ في النَّقلِ غيرُ ضعيفةِ
يُشيرُ بحُبِّ الحقِّ بعدَ تقرَّبٍ
إليهٍ بنفلٍ أوْ أداءِ فريضةِ
وموضِعُ تنبيهِ الإشارةِ
ظاهرٌ بكنتُ لهُ سَمْعاً كنُورِ الظَّهيرةِ
تسَبَّبتُ في التَّوحيدِ حتَّى
وَجَدتهُ وواسِطةُ الأسبابِ إحْدَى أدلَّتي
ووحَّدتُ في الأسبابِ حتَّى
فقدتها ورابطةُ التَّوحيدِ أجْدَى وسيلةِ
وجرَّدتُ نفسي عنهما فتجرَّدتْ
ولمْ تكُ يوماً قطُّ غيرَ وحيدةِ
وغصتُ بحارَ الجمعِ بلْ خضتها
على انفِراديَ فاستخرَجتُ كلَّ يتيمةِ
لأسْمَعَ أفعالي بسَمْعِ بَصيرةٍ
وأشهَدَ أقوالي بعَينٍ سَميعَةِ
فإنْ ناحَ في الأيكِ الهَزارُ
وغرَّدتْ جواباً لهُ الأطيارُ في كلِّ دَوحَةِ
وأطربَ بالمزمارِ مُصْلِحَهُ على
مُناسبةِ الأوتارِ مِنْ يَدِ قينةِ
وغنَّتْ منَ الأشعارِ ما رَقَّ
فارتقتْ لِسِدْرَتِها الأسرارُ في كلِّ شدْوَةِ
تنزّهتُ في آثارِ صُنعي مُنزَّهاً
عنِ الشِّركِ بالأغيارِ جمعي وألفتي